لسه متحلش

معرض فردي للفنانة جورجينا سليب، بإشراف فريدة يوسف

11.12.2024 - 12.12.2024

بين الخلق والوجود

تناول الخلق. ما السبب الذي يدفعنا للرغبة في خلق شيء ما؟ عند النظر إلى لوحات جاكسون بولوك، يرى المرء كل الجهد خلفها، رشات الطلاء، كل قرار خلف ضربات الفرشاة. إن الخلق هو نهج متواضع للشك، لا يختفي الشك أبدًا مع التأملات المتكررة. فعوضاً عن إنكار الشك، يخوض الخلق غمار التجربة بكل صعوباتها. يصبح الجسد سببًا للفعل. فلنتذكر شعار “عليك فقط أن تفعلها”.

تشريح الشكل. “إفساح المجال لشخص ما Hold space for someone” هو تعبير إنجليزي غريب لأنه ينطوي على التباس نابع من الفعل إذا ما فسر حرفياً بمعنى يمسك أو يحتفظ ولا يسمح. ويعني السماح للآخرين بالتعبير عن أنفسهم دون حكم. وإذا أخذنا المعنى حرفيًا، سنجد أنه يخلق صورة ذهنية ملتبسة. فكر فيه باعتباره رسمًا لمنحوتة. وكأن المرء يرسم شكلًا أو هيئة شخص ما. أو بمعنى أبعد، إذا أراد المرء أن يحتفظ بمساحته الخاصة، فسوف يصنع منحوتته الخاصة. وسوف تكون مبنية على جسده الذي أصبح الآن مقياسًا وشكلًا للنحت. وهكذا، تصبح المساحة غير المادية مادية.

النزاهة. إحدى الطرق التي تُعرّف بها المنحوتة هي أن تصبح مثالاً للتكثيف. تتخثر المادة لملء الفراغ. كما لو أن هذه المادة مستدامة. كتب سبينوزا أن ” كل شيء بقدر ما موجود في ذاته، يسعى إلى الاستمرار في وجوده “. (كتاب الأخلاق). أطلق على هذا اسم Conatus، وهي كلمة لاتينية تعني السعي  والمحاولة. معجون الورق هو مادة تستمر في كونها ورقًا معجنًا حتى تمنحنا المنحوتة المسماة “عناق”. هذه ليست مجرد جماد، يمكن لهذه المنحوتات أن توجد إلى الأبد، خشية أن تزعجها قوة خارجية. هناك أيضًا الديمومة القادمة من حي الفجالة المكان الذي جاءت منه كل هذه المواد. مثابرة عبر الزمان والمكان. ورش عمل موجودة في نفس المكان منذ أجيال. فكرة أن الزجاج تم نفخه هناك، وأن الورق صُنع هناك لعقود من الزمان. يمكن أن نطلق عليه “كوناتوس الفجالة”.

جسد الإدراك. إذا لم أستخدم الحقائق لأخبرك أن هذه المساحة تبلغ خمسة أمتار في أربعة أمتار أو ربما يوجد نافذة على يسارك، فكيف يمكنني وصفها لك بطريقة أخرى؟ توفر المساحة لأجسادنا فرصًا للحركة والعاطفة. يصبح الجسد مفتاح الإدراك، مثل مفاتيح الخريطة. يمكنك قراءة العالم من خلاله. سيخبرك الجسد أنه يشعر بتمدده، حريته وانطلاقه. قد يقول شيئًا عن العيون التي تتسع في ضوء الشمس. وقتها ستعرف أن المساحة كبيرة وجيدة التهوية وفسيحة. في الواقع، في اللغة الألمانية، تشترك الغرفة والفضاء في نفس الكلمة، Raum. الفضاء هو الغرفة، والفضاء هو الحياة.

الوجود في العالم. الرسم التزام. رسم الشجرة هو التزام بكل فرع من فروعها. إذا اتبعت الخطوط في الرسم، فسوف ترى كيف يبني الفنان زوايا تلك الفروع. كل خط يعيد خلق سياقه حتى تصبح شجرة قابلة للتمدد إلى ما لا نهاية. وبالتالي، فما نشاهده بدورنا هو تقدير شديد للحياة. فالأمر لا يتعلق بمشاهدة شجرة، لكن بالإنغماس في عالم الشجرة، عندها فقت تشعر بأن الحياة تدب في شجرة البونسيانا.

التعاطف. لدي إيمان بهذه الاشكال. لا يمكنني سوى التواصل معها. ففي هدوء الفكر تجري الأحداث.

حوار مع رنا النمر وفريدة يوسف وچورچينا سليب

انضموا إلينا يوم الإثنين، ١٨ نوفمبر من الساعة ٧:٠٠ مساءً حتى ٩:٠٠ مساءً لحوار حول معرض “لسهّ متحلش”  بين رنا النمر وفريدة يوسف وچورچينا سليب.

ستأخذنا چورچينا سليب في جولة عبر المراحل النهائية لمشروعها لعام ٢٠٢٢ على النول الدوار، حيث ستفتح النول بطولة الكامل، لتكمل سجادة من أربع جهات قد نسجتها. نأمل أن يكون المساء فرصة لحوار سلس بين رنا وفريدة وجورجينا والحضور.

چورچينا سليب هي فنانة بريطانية تعيش في مصر منذ خمس سنوات. يعد المعرض تقطيرًا للتحقيقات في الشكل، المادة، المكان المحلي والمناظر الداخلية التي قامت بها منذ وصولها.

فريدة يوسف هي ناقدة ومنسقة معارض مقيمة في القاهرة. تهتم بقيمة نظرية الفضاء في التحقيقات الفنية. حصلت على درجة الماجستير من جامعة كوليدج لندن، حيث ركزت على الفلسفة المعاصرة.

رنا النمر ممارستها الفنية ترتكز على التساؤل عن معنى العيش وتجربة المكان والزمان. عملية عملها تجمع بين تقنيات صناعة الصورة الرسمية والفن المعاصر وتسعى لدمج أشكال مختلفة من التعاون والممارسات البيداغوجية البديلة. تم عرض أعمال رنا النمر واقتناؤها

فريدة يوسف

بينما أعمل؛ لا أعرف ولا أتذكر ولا أخطط سوى لجزء ضئيل مما أصنعه. الجزء الأكبر يظل خفياً، لا يمكن تفسيره، تحت موجات ما ندركه من المادة الفيزيقية ثمّة الكثير من حيوات البشر وأزمانهم.

قبل بضعة خريفات، وقفت بجوار منحوتة “عناق” بينما تتوازن على حاملها في زاوية أرجوانية. ثم وجدت نفسي مدفوعة (بشكل غريزي ربما؟ أو بأمر من الجهاز العصبي؟ تعليمات من الدماغ؟) إلى مد يدي وتمريرها برفق على المنحوتة.

لا أجد كلمات مناسبة تصف القوة الغامضة التي دفعتني للتحرك دون كلام، للاقتراب، والاتصال، والاستماع إلى ما قد يأتي بعد ذلك. أو ربما يمكن أن أصفه باندفاع صامت؟ هذا أكثر صدقًا. ما اعتقدت لاحقًا أنه صامت ؟

كانت المنحوتة كبيرة كما ينبغي أن تكون. بحواف صاعدة وهابطة نمت بما يكفي للضغط على ثنية مرفقي الداخلي عندما أمد يدي فوقها أو تحتها. ثم تمكنت أطراف أصابعي من العثور على الجانب البعيد من خط استوائها المتموج، الحافة الخارجية لصنج الورق الكثيف المضمن في المركز. (قبل سنوات من أن تتسبب الطبقة الأولى من قصاصات الورق اللاصقة في تليين القرص المسطح وتحويله إلى ثنيات مترهلة.) وفي الأماكن التي يلوح فيها القرص لأعلى، كان عليّ أن أنحني إلى الداخل للوصول إليه. وكان هذا يسحب ساعدي بالكامل إلى الأعلى وإلى الخارج بحيث تظهر فجوة ضيقة ومشرقة بين الجلد والورق. أصبحت يدي مثل كأس تحتضن الهواء. أو تحوي بيضة.
بيضة؟
سطعت الكلمة في ذهني فجلبت المزيد من الذكريات والخيالات.
كان عليّ أن أظل منتبهة لأفعالي. يجب ألا تنحني الأصابع أكثر أو أقل مما هو ضروري. يجب ألا تتمدد المساحة الموجودة تحتها أو تنضغط. إذا لم يتم الاهتمام بالأساسات فكيف يمكن الوثوق في التشكيل؟
“كوني لطيفة كما لو أنك تحملين بيضة”. هل ذكرى متوهمة عن أمي هي ما منحتني تلك الفكرة؟ أم أن الفعل الاندفاعي الصامت مر دون أن يلاحظه رادار الفكر الواعي، فاستعاد ذكرى مدفونة في أعماقي؟
كنت قد عدت لتوي من المدرسة، أرتدي سترة خضراء وتنورة اسكتلندية وجوارب سوداء وحذاء أسود. فتركت ما كانت تعده في المطبخ من أجل المصارعة اليومية بيننا، أكاد أقاربها طولاً فلا يمكن أن تفرق بينما نتعانق بين مرفقي ومرفقيها ونحن نتلوى ونتحرك لأعلى وأسفل وكأن كل واحدة منا تستميت من أجل الفوز في هذه المباراة المضحكة.

في ذلك اليوم لم نتصارع. لو فعلنا ذلك لما كتبت هذا النص. كانت على وشك كسر بيضة. فبدلاً من ذلك، مدت يدها بلطف نحوي ووضعت البيضة بأمان على لوح كتفي.

هل فعلت ذلك؟ هل أنا متأكدة؟ لست كذلك الآن، التفكير جعلني أتشكك في الأمر كله..
ترك المرفق المقوّس فراغاً..
في ذلك اليوم الخريفي وقفت في زاوية الاستوديو الأرجواني الخاص بي. انحنيت على الشكل غير المكتمل، وشعرت أنني أمي والشكل هو أنا. الرغبة في الوصول، لوح الكتف ومنحدر الورق. شجرة التفاح العارية المحتضرة خارج نافذة مطبخنا وشجرة الجهنمية النابضة بالحياة التي نمت لتصل إلى شرفتي. كل شيء وُجد لسبب. ما هو؟ ربما السماح لهذا التكوين بتذكر بيضته.
السبب هو دليل هادئ نحو ما سيكونه هذا التكوين. بمجرد أن أثق به، يمكنني أن أعرف ما يجب القيام به بعد ذلك. كيفية ملء تلك الحدود الغامضة أسفل ساعدي، بدا الأمر وكأن “عناق” قد تصلب واستقر بمادته، وأصبح نفسه.

ترجمته إلى العربية نورا ناجي
جورجينا سليب

چورچينا سليب هي فنانة بريطانية تعيش في مصر منذ خمس سنوات. يعد المعرض تقطيرًا للتحقيقات في الشكل، المادة، المكان المحلي والمناظر الداخلية التي قامت بها منذ وصولها.

فريدة يوسف

فريدة يوسف هي ناقدة ومنسقة معارض مقيمة في القاهرة. تهتم بقيمة نظرية الفضاء في التحقيقات الفنية. حصلت على درجة الماجستير من جامعة كوليدج لندن، حيث ركزت على الفلسفة المعاصرة.

ساعات العمل

من الساعة ۱۱:۰۰ صباحا

حتى الساعة ۹:۰۰ مساءً

مغلق أيام الجمعة

التواصل الاجتماع

Primary Color
default
color 2
color 3
color 4
color 5
color 6
color 7
color 8
color 9
color 10
color 11
color 12